معالم أسرية في خطبة حجة الوداع منشور في مجلة الدعوة السعودية 12/1433هـ الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن خطبة النبي في حجة الوداع التي رواها الإمام مسلم( ) في صحيحه، وأبو داود( )، وغيرهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه خطبة عظيمة جامعة خطبها في أشرف مكان وأشرف زمان وحال وهي من جوامع كلمه بما تضمنته من الوصايا الجليلة والمعاني العظيمة التي أرست معالم الدين والنصح للمسلمين، وإن مما ينبغي لنا التوقف عنده خصوصا في هذا الزمن تلك الإشارات العميقة والوصايا العظيمة التي انبثقت من مشكاة نبينا المصطفى والتي حملت مفردات يجب أن تكون محط العناية والتوجيه في حياتنا اليومية وممارستنا في مجتمعنا وأبنائنا تقربا إلى الله تعالى وإحسانا لعباده. إن صبغ الحياة بالتوجيه النبوي الكريم يترك بصماته على حياة الفرد والمجتمع ويكوِّن لدينا معيارية نقيس به بعدنا أو اقترابنا من قيمنا الإسلامية الحقة في وقت كثرت فيه النظريات والأطروحات والفلسفات التي تطرح نظاما للأسرة يستوعب حياة الفرد ويصوغه صياغة موجهة بحسب رشاد تلك الأطروحات أو خطئها، وإليك أخي المبارك بعضا منها: 1- قال : (فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله). يا لها من جملة عظيمة ونقلة كبرى من عميق أوضار الجاهلية ومورثها الثقافي وقسوتها وامتهانها في النظرة إلى المرأة إلى سمو الإسلام وكرمه ونبل شرائعه، ابتدأها بالأمر بتقوى الله جل وتعالى في رباط الزواج والأسرة، الأمر الذي يخلق لدى الفرد استشعارا بأن كل ما يأتي ويذر في محيطه الأسري يجب أن يكون قوامه ومحركه هو تقوى الله ومراقبته، وأن هذه المرأة والأبناء إنما هي أمانة يجب أن يرعاها ويحافظ عليها وهو مسؤول عنها، كما في الحديث الشريف المشهور من قوله (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)( ) ولا غرو إذ إن اقتران الزوج بزوجته وقربه منها لم يكن ليتم لولا شرع الله وأحكامه، فهو تعالى الذي أذن بهذا العلاقة وهو الذي شرعها وهو الذي أيضا يحكم بإنهائها متى ما أراد، وقد جاء في الحديث (استوصوا بالنساء خيرا)( ). إن امتثال هذا التوجيه الكريم قاض بحصول كل معاني الخيرية بين الزوجين وحسن العشرة والإكرام ومراقبة الله تعالى في حل اليسر والعسر وحال الوفاق والخلاف، وأن يكون قوام المعاملة على التوجيه الرباني وليس الجبلة والطبيعة التي ربما لا تتفق مع الشريعة والخلق الرشيد، ومن ذلك ما قاله عليه السلام فيما رواه أبو داود عندما سئل ما حق زوجة أحدنا عليه قال: (أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت)( ) والملحوظ هنا أن التقبيح وما شابهه من الخشونة في القول لا يكون إلا في حال الغضب مما يعني أن الإنسان وهو غضبان يجب أن يكون منصاعا للشريعة فلا يحق له أن يتجاوز التأديب إن كان محقا فيقسو بعبارة أو تصرف؛ لأن في ذلك إهدارا للكرامة وسحقا لها. 2- قوله : (ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع). تنبيه بليغ بعبارة محكمة وأسلوب متين في نبذ الجاهلية بنظمها وأخلاقها وعاداتها المخالفة للإسلام، وقيمها، والتي من أبرزها ما يتعلق بالأسرة زوجة وبنتا وأما، وضادَّ ذلك بأن جعل خيارنا هم خيارنا لنسائهم رواه أحمد والترمذي بسند جيد. 3- قوله : (وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ...). في هذه الفقرة من الحديث الشريف عمق الواقعية والشفافية وبيان الحقوق بين الزوجين، وبيان وإيضاح بأن الزواج متضمن لحقوق يجب أن يلتزم بها الزوجان ويؤديانها وافرة بسخاء وطيب نفس وأن يكون أداؤها امتثالا لأمر رسول الله ، فحق الرجل طاعته فيما له على الزوجة بالمعروف، وللزوجة نفقتها وكسوتها وحسن عشرتها، وكل ذلك ربطته الشريعة بالعرف المقتضي للاختلاف في الأمكنة والأزمنة وعادات المجتمعات والشعوب، كما أن النبي كوَّن الواقعية في النظرة إلى الشريك الحياة وأن الإنسان كما يقيم الخطأ فيجفو يجب ألا ينسى الصواب فقال عليه السلام: (لا يفرَك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر)( ) وهذا يجلي لنا أن المثالية التي ينشدها أي من الزوجين هي ضرب من المستحيل وإغراق في الأحلام. إن هذا التكريم يقتضي إزالة شوائب الجاهلية التي يعيشها إنسان القرن الحادي والعشرين في نظرته للمرأة والرجل على حد سواء، فيضع كل واحد بالموضع اللائق به، وبهذا تستقيم الحياة وتحسن العشرة، نسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويوفقنا إلى الاستقامة على ما يحب ويرضى. كتبه: د. عبد الله بن أحمد الرميح ممثل الجمعية الفقهية في القصيم
مقالات / معالم أسرية في خطبة حجة الوداع
معالم أسرية في خطبة حجة الوداع
معالم أسرية في خطبة حجة الوداع منشور في مجلة الدعوة السعودية 12/1433هـ الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن خطبة النبي في حجة الوداع التي رواها الإمام مسلم( ) في صحيحه، وأبو داود( )، وغيرهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه خطبة عظيمة جامعة خطبها في أشرف مكان وأشرف زمان وحال وهي من جوامع كلمه بما تضمنته من الوصايا الجليلة والمعاني العظيمة التي أرست معالم الدين والنصح للمسلمين، وإن مما ينبغي لنا التوقف عنده خصوصا في هذا الزمن تلك الإشارات العميقة والوصايا العظيمة التي انبثقت من مشكاة نبينا المصطفى والتي حملت مفردات يجب أن تكون محط العناية والتوجيه في حياتنا اليومية وممارستنا في مجتمعنا وأبنائنا تقربا إلى الله تعالى وإحسانا لعباده. إن صبغ الحياة بالتوجيه النبوي الكريم يترك بصماته على حياة الفرد والمجتمع ويكوِّن لدينا معيارية نقيس به بعدنا أو اقترابنا من قيمنا الإسلامية الحقة في وقت كثرت فيه النظريات والأطروحات والفلسفات التي تطرح نظاما للأسرة يستوعب حياة الفرد ويصوغه صياغة موجهة بحسب رشاد تلك الأطروحات أو خطئها، وإليك أخي المبارك بعضا منها: 1- قال : (فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله). يا لها من جملة عظيمة ونقلة كبرى من عميق أوضار الجاهلية ومورثها الثقافي وقسوتها وامتهانها في النظرة إلى المرأة إلى سمو الإسلام وكرمه ونبل شرائعه، ابتدأها بالأمر بتقوى الله جل وتعالى في رباط الزواج والأسرة، الأمر الذي يخلق لدى الفرد استشعارا بأن كل ما يأتي ويذر في محيطه الأسري يجب أن يكون قوامه ومحركه هو تقوى الله ومراقبته، وأن هذه المرأة والأبناء إنما هي أمانة يجب أن يرعاها ويحافظ عليها وهو مسؤول عنها، كما في الحديث الشريف المشهور من قوله (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)( ) ولا غرو إذ إن اقتران الزوج بزوجته وقربه منها لم يكن ليتم لولا شرع الله وأحكامه، فهو تعالى الذي أذن بهذا العلاقة وهو الذي شرعها وهو الذي أيضا يحكم بإنهائها متى ما أراد، وقد جاء في الحديث (استوصوا بالنساء خيرا)( ). إن امتثال هذا التوجيه الكريم قاض بحصول كل معاني الخيرية بين الزوجين وحسن العشرة والإكرام ومراقبة الله تعالى في حل اليسر والعسر وحال الوفاق والخلاف، وأن يكون قوام المعاملة على التوجيه الرباني وليس الجبلة والطبيعة التي ربما لا تتفق مع الشريعة والخلق الرشيد، ومن ذلك ما قاله عليه السلام فيما رواه أبو داود عندما سئل ما حق زوجة أحدنا عليه قال: (أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت)( ) والملحوظ هنا أن التقبيح وما شابهه من الخشونة في القول لا يكون إلا في حال الغضب مما يعني أن الإنسان وهو غضبان يجب أن يكون منصاعا للشريعة فلا يحق له أن يتجاوز التأديب إن كان محقا فيقسو بعبارة أو تصرف؛ لأن في ذلك إهدارا للكرامة وسحقا لها. 2- قوله : (ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع). تنبيه بليغ بعبارة محكمة وأسلوب متين في نبذ الجاهلية بنظمها وأخلاقها وعاداتها المخالفة للإسلام، وقيمها، والتي من أبرزها ما يتعلق بالأسرة زوجة وبنتا وأما، وضادَّ ذلك بأن جعل خيارنا هم خيارنا لنسائهم رواه أحمد والترمذي بسند جيد. 3- قوله : (وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ...). في هذه الفقرة من الحديث الشريف عمق الواقعية والشفافية وبيان الحقوق بين الزوجين، وبيان وإيضاح بأن الزواج متضمن لحقوق يجب أن يلتزم بها الزوجان ويؤديانها وافرة بسخاء وطيب نفس وأن يكون أداؤها امتثالا لأمر رسول الله ، فحق الرجل طاعته فيما له على الزوجة بالمعروف، وللزوجة نفقتها وكسوتها وحسن عشرتها، وكل ذلك ربطته الشريعة بالعرف المقتضي للاختلاف في الأمكنة والأزمنة وعادات المجتمعات والشعوب، كما أن النبي كوَّن الواقعية في النظرة إلى الشريك الحياة وأن الإنسان كما يقيم الخطأ فيجفو يجب ألا ينسى الصواب فقال عليه السلام: (لا يفرَك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر)( ) وهذا يجلي لنا أن المثالية التي ينشدها أي من الزوجين هي ضرب من المستحيل وإغراق في الأحلام. إن هذا التكريم يقتضي إزالة شوائب الجاهلية التي يعيشها إنسان القرن الحادي والعشرين في نظرته للمرأة والرجل على حد سواء، فيضع كل واحد بالموضع اللائق به، وبهذا تستقيم الحياة وتحسن العشرة، نسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويوفقنا إلى الاستقامة على ما يحب ويرضى. كتبه: د. عبد الله بن أحمد الرميح ممثل الجمعية الفقهية في القصيم